عتبر اختيار شريكة الحياة بالنسبة للفتاة أو الشباب، من أهم الخيارات في بناء الحياة الزوجية، والتخطيط للمستقبل.. وغالبا ما يتدخل الأهل في هذا القرار من منطلق الحرص على مصلحة الأبناء.. حتى وإن بدا الأمر غير ذلك في نظر الأبناء أو في المحصلة النهائية التي يسفر عنها هذا التدخل!وقد أظهرت دراسة للباحثة نجوى قصاب حسن في جامعة دمشق، شملت ( 3000 ) أسرة سورية، أن مشاركة الأهل في اتخاذ قرار زواج البنات مرتفعة، حيث تبين أن عائلات أكثر من نصف العينة التي شملها البحث تكون مسئولة عن قرار الاختيار. وهذا الوضع ينطبق أيضا على الشباب الذين يتدخل الأهل أيضا في قرارات زواجهم، ولكن بنسبة أقل نوعا ما، حيث تبين أن ( 48.3 % ) منهم اختاروا زوجاتهم بقرار شخصي.
هذه الدراسة التي قد لا تختلف كثيرا في نسبتها في المجتمع السوري عما هو الحال في مجتمعات أخرى.. بل ربما تزيد وترتفع، وهي مسئولة بالتأكيد – وإن بشكل جزئي - على كثير من الزيجات الفاشلة التي تدفع الأجيال القادمة ثمنها.. إما على شكل حياة غير مستقرة، مليئة بالمشاكل والمنغصات وخالية من الانسجام الأسري.. أو على شكل حالات طلاق، تجلب الكوارث للأبناء والأطفال الصغار الذين ينطبق عليهم المثل: ( الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون )
ليس تدخل الأهل في اختيار الأبناء لشركاء حياتهم شر كله.. فالقاعدة تحمل استثناءاتها دائما، وقد يكون هذا التدخل حماية من مزالق التسرع، واللهاث وراء المشاعر والانفعالات التي تحكم اختيارات البناء وخصوصا إذا كانوا من صغار السن، وقيلي التجربة في الحياة، ومندفعين بمشاعر عاطفية بحتة، ولهذا يجب استشارة الأهل، واحترام رأيهم، والتفكير بوجهة نظرهم.. لكن كل هذا لا ينبغي أن يخول الأهل فرض آرائهم على أبنائهم فرضا قمعيا، قد ينسجم مع بعض التقاليد الاجتماعية البالية في مجتمعاتنا العربية، لكنه لا ينسجم بالتأكيد مع ما امرنا به الدين الحنيف من استشارة الفتيات في زواجها، ناهيك عن احترام خيار الشاب.. إذا توفر في الفتيات التي اختارها الخلق والدين والنسب الكريم!
الحرية.. ثم الحرية.. ثم الحرية هي شرط بناء حياة أسرية سليمة، وعلينا أن نؤمن أن بالحرية والحوار المقنع نساعد أبناءنا في اختيار شركاء حياتهم.. لا بالقمع والإكراه!